على الرغم من كل ما يُقال عن نيّة واسعة بتأمين إنطلاقة قويّة وخاليّة من العراقيل للحُكومة الجديدة، فإنّ بوادر الإشتباك السياسي بين أكثر من طرف بشأن أكثر من ملفّ بدأت تُطلّ برأسها، وهي ستتظهّر بشكل تصاعديّ خلال الأيّام والأسابيع القليلة المُقبلة. وبحسب أكثر من تحليل، إنّ أوّل معركة سياسيّة داخليّة ستحصل، ستتركّز على موضوع النازحين السوريّين في لبنان، وهي ستتجاوز الخلافات في وجهات النظر بين الأطراف اللبنانيّة لتشمل الخلافات على صعيد أسلوب التعاطي الأنسب إزاء هذا الملفّ، بين لُبنان الرسمي وبعض الدول الخارجيّة المُؤثّرة. فما هي المعلومات المُتوفّرة في هذا الشأن؟.
بداية، لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ "التيّار الوطني الحُرّ" يضع نُصب عينيه مسألة حلّ هذه المُشكلة التي أثقلت كاهل لبنان واللبنانيّين خلال السنوات الماضية، وهو مُصمّم على مُمارسة أكبر قدر من الضُغوط في غير إتجاه، على أمل تسريع وتيرة العمل في هذا الملفّ الشائك، باعتبار أنّ المُعالجات التي حصلت في الماضي القريب إقتصرت على تأمين رحيل مجموعة محدودة من القوافل بشكل طوعي، ضمّت كلّ قافلة عددًا محدودًا من النازحين تراوح بين بضع مئات وبضع آلاف من النازحين فقط لا غير. و"التيّار" الذي كان قد أخذ على وزير الدولة لشؤون النازحين السابق معين المرعبي المحسوب على "تيّار المُستقبل"، تسبّبه بإخافة النازحين، عبر إطلاقه تصاريح غير مقرونة بالأدلّة بشأن تعرّض بعض العائدين إلى سوريا لتجاوزات خطيرة من قبل أجهزة الأمن السُوريّة، حرص على أن تكون هذه الوزارة هذه المرّة بيد فريق آخر، وتحديدًا بيد الوزير المُشترك بين رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون و"الحزب الديمقراطي اللبناني". وإذا كان تعيين صالح الغريب وزير دولة لشؤون النازحين السُوريّين قد أثار إمتعاض "الحزب التقدّمي الإشتراكي" بسبب رفض "الإشتراكي" أن تُوكل مُهمّة الإنفتاح على النظام السُوري لشخصيّة دُرزيّة بالمُطلق، ولمُنافس سياسي له بالتحديد، فإنّ هدف "التيّار" من هذا التعيين، هو تحضير الأرضيّة المُناسبة للتواصل بفعاليّة وبشكل مُباشر مع النظام السُوري بشأن هذا الملفّ. وبالتالي، من المُنتظر أن يعمل وزير الخارجيّة والمُغتربين جبران باسيل على فتح القنوات الدبلوماسيّة مع العالم الغربي لتحريك هذا الملفّ المُتعثّر، وكذلك على تأمين الأرضيّة المناسبة للتعامل مع النظام السُوري بشأنه، بالتزامن مع قيام الوزير الغريب بالتنسيق الميداني مع الإدارات السُوريّة المعنيّة أيضًا.
لكن في الوقت عينه، من المُتوقّع أن يتسبّب هذا الملفّ بخلافات داخليّة وبعمليّات "شدّ حبال" وربّما بمعارك سياسيّة أيضًا، بين أكثر من جهة سياسيّة في لبنان، بسبب مُعارضة ثلاثة أطراف سياسيّة مُمثّلة في الحُكومة، التنسيق مع النظام السُوري بشكل مُباشر في ملفّ النازحين. وفي هذا السياق، يرفض "تيّار المُستقبل" إستباق أيّ قرارات عربيّة أو دوليّة لحلّ أزمة النازحين السوريّين إلى مُختلف دول الجوار، ويُطالب بمُعالجة هذا الموضوع بتروّ، مع حرصه على التنسيق مع المُجتمع الدَولي ومع الأمم المُتحدة، ومع تشديده على رفض التصرّف بشكل مُغاير لقرارات الحُكومة اللبنانيّة مُجتمعة. وعلى خطّ مُواز يرفض "الحزب التقدّمي الإشتراكي" دفع النازحين إلى يد أجهزة الأمن السُوريّة من دون أيّ غطاء سياسي دَولي يحفظ حياتهم ويصون كراماتهم على أقلّ تقدير. أمّا حزب "القوّات اللبنانيّة" فيرفض من جهّته إتخاذ ملفّ النازحين ذريعة لفتح قنوات التنسيق مُجدّدًا مع النظام السُوري، من دون تأمين عودة فعليّة وواسعة للنازحين إلى مناطق آمنة في بلادهم.
أكثر من ذلك، إنّ الدول العربيّة المُناهضة للنظام السُوري، والكثير من الدول الغربيّة، يتقاطعون على رفض حلّ أزمة النازحين خارج الحلّ الشامل للحرب السُوريّة، وذلك بهدف عدم خسارة ورقة ضغط مُهمّة بأيديهم، مُستخدمين تبريرات أمنيّة وإنسانيّة ومعيشيّة مُختلفة. حتى أنّ نظام الرئيس السُوري بشّار الأسد غير مُتحمّس من جهّته لعودة الكثير من المُعارضين السُوريّين الذين لجأوا إلى دول الجوار خلال السنوات الماضية، لأسباب مُرتبطة بالتوازنات الديمغرافيّة والسياسيّة الجديدة التي جرى تثبيتها في سوريا. من جهة أخرى، إنّ برامج المُساعدات الإنسانيّة، لا سيّما تلك النقديّة التي تُقدّمها الهيئات والوكالات الدَوليّة ومُنظّمات الإغاثة المحليّة والدَولية غير الحُكوميّة، تُشجّع الكثير من النازحين على رفض العودة إلى بلادهم، تمامًا كما أنّ فرص العمل التي فُتحت أمام كثير منهم في لبنان على حساب اليد العاملة اللُبنانيّة تُشجّع آخرين على رفض العودة إلى ديارهم أيضًا.
في الختام، إنّ الطريق أمام عودة النازحين السُوريّين في لبنان إلى بلادهم ليس مفروشًا بالورود، وهو سيتسبّب بكثير من الأخذ والردّ على الساحة الداخليّة من جهة، وبين جزء من لُبنان الرسمي والعالم الخارجي من جهة أخرى، لكنّ التوصّل إلى حلّ لهذا الملفّ هو واجب وطني يستوجب تأمينه بأسرع وقت مُمكن، بغضّ النظر عن مسألة التنسيق مع النظام السُوري، أو نقل بعض النازحين إلى مُحافظة إدلب-إذا ما أرادوا، أو حتى تأمين التوافق مع دُول قادرة على إستضافتهم، بعكس لبنان، البلد الصغير جغرافيًا والغارق تحت ثقل مشاكله الديمغرافيّة والإقتصاديّة والسياسيّة أصلاً، والذي ذاق الأمرّين من تجربة إستضافة اللاجئين الفلسطينيّين التي لم تنته فُصولاً بعد!.